الإنسان, في جانب أصيل من جوانب كيانه الروحي, إرادة وعيٍ وتطلُّعٌ إلى الحق.
وقد يميل بنا الظن إلى أنه تطلُّع إلى الحقائق كلِّها, ورغبةٌ نهمةٌ في معرفة كلِّ شيء.
ذلك أن نزعة غامضة, خفيَّة في أعماقه, تصوِّر له المثل الأعلى للمعرفة معرفةً محيطةً شاملة, معرفة تَهْدُم مثلها الأعلى عن طريق تحقيقه. وليس لنا أن نسأل هنا عمَّا إذا كانت هذه النزعة الغامضة علامة من علامات العقل المطلق، تدمغ النفس المخلوقة وتدفعها إلى التشبُّه بالعارف العليم قدر طاقتها, أو أثراً إبليسياً من آثار شهوة العجرفة والفضول. ويكفينا أن نقرِّر أن الإنسان، في وجوده المتناهي وواقعه المتزمِّن ونشاطه الحي, إنما يتجلَّى في رفضه المستمر لجملة غير متناهية من الحقائق المحرَّمة والمعارف التافهة, وفي اختياره الحرِّ لنوع الحقائق التي تستحق أن تُعرَف أو يجب أن تُعرَف. فتطلُّع الإنسان إلى الحقيقة يعني إذاً أنه انفتاح على النور وجهد متصل لتركيز الحقائق الكبرى, الحقائق–القيم.
الحقيقة الفلسفية لا تنفصل عن القيمة، والقيمة لا تترسَّخ في النفس إلا بالحرية. فإذا آمنا بالحقيقة والقيمة والحرية فقد ملكنا الطريق إلى تحقيق الإنسان.
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire